03‏/04‏/2010

البلديات.. من منظور شبابي





موقع “NOW Lebanon” تواصل مع شرائح متنوّعة من الشباب اللبناني المهتم بموضوع الانتخابات البلدية، وناقشتهم أفكارهم وآمالهم وطموحاتهم... وفي ما يلي باقة من تلك الآراء تتراوح بين الـ"ضد" والـ"مع"، أعلنها البعض من هؤلاء الشبان باهتمام، آملاً في التغيير، بينما رفض بعض آخر منهم مجرّد الخوض في الأمر معتبراً أنه سيكون من نوع الحديث العبثيّ، لأن "الإقدام على طرح مطالب صدئت من كثرة تردادها بات أمراً ميؤوساً منه" كما قالوا. ومنهم كذلك من ذهب إلى العمق رافضاً أي انتخاب وأي إنتاج للسلطة بصيغتها الراهنة، معتبراً أن الحل يكون سلة متكاملة أو لا يكون ثمة حلٌّ في الأمد المنظور. وهناك من الشباب الذين وقفنا على مواقفهم من فاجأنا بطرح ضرورة اللامركزية الإدارية، وذلك بهدف زيادة صلاحيات البلديات، مطالباً بضرورة أن تشمل اهتماماتها الشؤون التعليمية والتربوية.

 

يتفق الشباب اللبناني عموماً على ضعف دور البلديات وعدم قيامها بواجباتها الدستورية كما ينبغي، ويرون في أدائها صورة مصغرة عن المشهد السياسي العام، وصورة مكبرة عن القبلية الاجتماعية السائدة. 

في النظام المدني الحديث، تُعرَّف البلدية على أنها شخصية اعتبارية ذات استقلال مالي وإداري، تمارس الوظائف الموكلة إليها بموجب نظام خاص، ويمكن أن تكون المحطة الأهم في تحسين شكل المجتمعات عمرانياً وثقافياً، وتكون الرادع الأول للفوضى. إلا أنه في لبنان – بلد الاختلاف- فالمنصب البلدي هو "تثبيت وجود" للجماعة، تتخذ أي صفة كانت وتلعب أيّ دور ممكن... إلا تأدية الدور المطلوب أساساً منها كبلدية. وأعرب كثيرون من الشبان عن اعتقادهم بأن البلديات، والتي يقع على عاتقها تأمين الخدمات، لا تبادر من تلقائها، بل تنتظر النواب وأهل السياسة، لكي تنطلق في أعمال تختارها بناء على الجدوى السياسية، وليس الجدوى التنموية بالضرورة. ومن هنا فهم رأوا أن الدور الذي تلعبه البلديات في لبنان هو دور ناقص.


 

كيف يمكن فصل العمل الحزبي عن البلدية؟ وماذا ننتظر من شباب متمسّكين بحزبهم كمرادف لوجودهم في بلد كبروا فيه على فكرة الخوف من الآخر؟
بعض الذين سألناهم ممن تخطّى مرحلة الانتماء الأعمى للحزبية، رفض مناصرة العمل الحزبي "الذي أفسد كل شي"، وأعرب عن رفضه أن تكون البلدية صورة أخرى عن العائلات والإقطاع والطوائف. فالأحزاب اجتاحت التربية والإعلام والاقتصاد والأمن وحتى الديموغرافيا، ثم يأتي من يمارس العمل الحزبي من خلال البلدية ليجد فيها مجرد محطة لمتابعة تسويات سابقة أو لاحقة.

نظرة شباب الأحزاب منقسمة إلى رأيين عموماً: الأول هو إفساح المجال أمام العائلات والفعاليات في القرى لتهتم بالشؤون البلدية، والثاني متمسك بالعمل الحزبي من خلال البلدية التي تفتح المجال أمام التنافس بين مختلف الأطراف للفوز بالمقاعد، ما يمهّد لفوز انتخابي عبر تحقيق مطالب إنمائية لأبناء المنطقة. وهناك أقلية ترى في العمل الحزبي على مستوى البلديات الأهمية نفسها  التي هي للموقع النيابي، بل إن العمل البلدي أكثر أهمية باعتبار أن النائب لا يؤثر مباشرة على الحياة اليومية للأهالي في مدنهم وقراهم، بينما للعمل البلدي تأثيره المباشر في الإنماء والسير والبيئة، وفي مختلف تفاصيل حياة المواطن.
والخلاف الأكبر في عالم الشباب يبقى حول مكان الانتخاب، فمنهم من يطالب بأن ينتخب المواطن أعضاء المجلس البلدي في المنطقة التي يسكن فيها، ومنهم من يدافع بشدة عن انتخاب مرتبط بمكان قيد النفوس. ويرى البعض أن إبقاء الانتخاب مرتبطاً بمكان النفوس يعزز الانتماء إلى الأرض، ويقدمون أمثالاً تدعم وجهة نظرهم هذه. فالمسيحيون مثلاً هُجروا من الجبل ولم يختاروا الخروج طوعاً، ومن اختار ذلك نقل نفوسه. هذا التهجير القسري سياسياً واجتماعياً واقتصادياً، لا يمكن مواكبته بانتخاب في مكان السكن، اي المكان الذي هّجّر إليه الذين تركوا بيوتهم وبلداتهم، لأن من شأن ذلك تشجيع التهجير وتثبيته. والحل يكون بتحقيق التنمية المناسبة لتشجيع عودة المهجرين ورجوع الناس إلى أطراف لبنان الفارغة وإعادة الوضع الديمغرافي إلى ما كان عليه قبل الحرب. أما المتمسّكون بالمنطق (كما يصفون أنفسهم) فيطالبون بأن ينتخب المواطنون مجلسهم البلدي في المنطقة التي يمضون معظم أوقاتهم فيها، ويحتاجون إلى خدمات في حياتهم اليومية في تلك المنطقة وليس في قرية (هُجّروا منها) ولا يزورونها إلا موسمياً أو عند دفن أحد الأقارب. 

 

يحظى قانون خفض سن الاقتراع بموافقة شكلية عامة في الوسط الشبابي. والشبان الذين وقفنا على آرائهم يصفونه بالخطوة الهامة على طريق الحداثة السياسية، إلا أن بعضهم يرى أن إشراك نسبة أكبر من الشباب في الحياة السياسية الحالية يعني تثبيت المراحل من خلال نظرتهم وواقعهم الذي يعرف حدود الساحات والتظاهرات. فهؤلاء يمارسون السياسة بحمل الصور وحرق الدواليب أو أي فعل مشابه، وهذا بحد ذاته لا يبني بلداً.

في الصوت الشبابي تجد منظّرين لإقرار هذا القانون، يضعون خفض سن الاقتراع وخفض سن الترشيح في سلة واحدة تحت عنوان إدخال دم جديد إلى المجالس البلدية والخروج من الإقطاعية والعائلية للدخول في منطق عمل شبابي. دفاعهم هذا يترافق مع اقتناع تام بأن الشاب في الثامنة عشرة يتطوع في القوى العسكرية للدفاع عن الوطن، يقود سيارة، يحقّ له الزواج، وهو من يختار مستقبله بارتياد الجامعة، فهل اختيار عضو بلدية أصعب عليه من كل هذه الحقوق، وكيف للدولة أن ترى المواطن ناضجاً في أمور معينة وقاصراً في أخرى، يحق له أن يموت فداء لوطنه إنما لا يحق له أن يشارك في بناء الهيئات السياسية في هذا الوطن!

 

كوحدة قياس حقيقية ومنطقية، يحمي قانون النسبية الأقليات ويؤدي إلى إنتاج سلطة أقرب إلى الحجم الحقيقي للناس. هذا هو الشعار الذي يتمسك به كثيرون، إنما من دون الاطلاع على دقائق هذا القانون ومعرفة آليته. من الطلاب من مارسه خلال الانتخابات الجامعية، ولديه إلمام به، وهؤلاء لديهم  بعض الملاحظات. وبرأيهم فإن القانون النسبي على المستوى البلدي، يضمن حق المجموعات الموجودة، لكنه في الوقت نفسه يمكن أن يعطّل دور البلدية، إذ لا بد لهذه المجموعات أن تختلف في الرأي حول فكرة محددة، ما يشلّ العمل الانتخابي. فالبلدية هدفها إنمائي، وهذا القانون يضرّها ويدخلها في متاهات قد تبعدها عن تأمين دورها. لذلك من الأفضل الإبقاء على القانون الأكثري. أما إذا تمت الانتخابات على أساس نسبي، فمن المستحسن أن يكون هناك صوت تفضيلي، أي أن توضع الأسماء بالتراتبية التي يريدها المصوّت. 



الكل يريد صوت المغترب (رغم أن المقيم هو المؤهل للاستفادة من البلدية عملياً)، إلا أن الآمال اللبنانية كانت وما زالت معلّقة على الخارج. المغترب بنظر الشباب المطالبين بإعطاء المغترب الحق بالتصويت، هو المشارك الأكثر فعالية على المستوى الاجتماعي(!) والذي له كامل الحق في ذلك لأنه يشكل جزءاً من النسيج اللبناني. كثُر من المغتربين يعودون إلى لبنان محمّلين بثرواتهم ليستثمروها في قراهم. مشاركتهم في الانتخاب تعزز مشاركتهم في عجلة البلد ويمكنها أن تكون إنمائية من خلال استثمار رأس المال في المجلس البلدي، ما يبقي المواطن متعلقاً بمنطقته وينمّي لديه شعوراً بالانتماء للعملية السياسية والإنمائية في لبنان، فلا يصبح "مغترباً دائماً" وبالتالي غير مهتمّ.




آراء شبابية كثيرة لا بد أن تُمنح أُذناً مسؤولة تصغي، بعضها يعبّر عمّن يئس من تخزين الأمل ويرى التغيير مستحيلاً حالياً، وآخر يؤمن أن التغيير يبدأ على مستوى "المخترة" ومن ثم البلدية وصولاً إلى النيابة. لكن الجميع مقتنع بأن البلديات نافذة أمل يمكن الخروج عبرها من منطق القبلية والعائلية، والقيام بنشاطات أكثر جدوى، من أجل عودة الشباب إلى المناطق التي نشأوا فيها. الشباب يريدون مهرجانات ثقافية، نوادي للمشاركة، إعادة إحياء قراهم المنسية.

... هذا ما يريده أي شاب لبناني ما زال مؤمناً بأن هذا البلد يمكنه أن يشفى من أمراضه المزمنة... والآن، أيها السياسيون الأفاضل، وقد قال الشباب كلماتهم، يمكنكم استكمال مناظراتكم حول "جنس ملائكة" الإنتخابات البلدية التي قد تجعلونها تحصل.. وقد تجعلونها لا تحصل.




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق